… لأجلِ ألّا ينهار سقف التوقعات على رأسي

خاص بـــ«مجلّة أفانين»، شيماء قويون

شعور ثقيل مُجدّدًا؛ السّلحفاة عادت تجثو على صدري. أعرف ما يُزعجني وأجهل كيف أتخلّص منه. ثمّة أيام تكون فيها الوَحدة مُرادفًا للسّلام، و أيام أخرى تكون مُرادفًا للغربة. أعتزل الناس كي أكتب؛ لكنني أحتاجُهم (أيضًا) لكي أعرف ماذا أكتب؛ النّاسُ مادّة دسمةٌ للكتابة.

أتشوّق للسّفر، وتغيير الأمكنة، و للحديث مع أحد (أيّ أحد). اجتمعت الأفكار في رأسي مُجددًا مثل «كُبّةٍ» صوف، وأحتاج مَن يُساعدني على «تسريحها». أريد أن أكتب، أحاول أن أكتب. أقول أحاول، هكذا صرتُ أتعامل مع كل جوانب حياتي. أحاول أن أنجو، أحاول أن أصل، أحاول أن أكون أكثر وُضوحًا مع نفسي و أقلّ وُضوحًا للآخرين، أحاول أن أفهم، أن أطرح الأسئلة الصّحيحة، أن أتصالح مع شكّي علّه يقودني للإيمان بشيء  (أيِّ شيء). سلسلة من المُحاولات المتتالية، إحداها تبوء بالفشل و أخرى مصيرها النجاح، و هكذا …
تُغريني الكِتابة؛ يبدو لي فاتنًا فعلُ الجُلوس لأجل رصّ الأحرف بجانب بعضها بُغية تكوين كلمات ربما قيلت من قبل و تكرّرت، ويكون لزامًا عليّ الغوصُ في لغتي كي أجد طريقة أقول فيها بشكل أفضل كل ما قد قيل من قبل. أكتشفُ بعدها أنّ اللّغة تنقُصني، فأناجي «ربّ اللغة»؛ علّه يمنحني خطًا أتَّبعُه لأترجم ما أشعر به، ولأحوّله من مشاعر لا أستطيعُ إمساكها، إلى كلماتٍ أنظرُ إليها.
«و دارت الأيام»؛ تُغنّي الآن أم كلثوم في سماعات أذني، وأفكّر كم هو مُدهشٌ تعاقُب الأيام، و كم هو ساحر ما باستطاعة الزمن فعله بأحوالنا، حين ألقي نظرة على ما كنت عليه منذ عامٍ أصير مُمتنة للمضي قُدمًا، وللقُدرة على التجاوز، تجاوز الأخطاء و الناس والأمكنة. كل يوم يمر هو خطوة نحو الأمام، نحو القادم الذي أجهله لكنّ أملي فيه قويّ، و أملك من الشّجاعة ما يكفي لأكون مُمتلئة بالأمل، غصبًا عن الضباب الذي في الأُفق، وغصبًا عن عدم وضوح الرؤى، و غصبًا عن تشاؤم صديقي.

«أبحث عن طبيب يصف لي نظامًا حياتيًّا صحيًّا خاليًا من التوقعات»

والأمل، سيفٌ ذو حدّين. إذ إنّه يعني أن يكون لديّ سقفُ توقعات عالٍ قد ينهار على رأسي، و قد لا أنجو من «حادثة أمل». إنّه يرفع سقفَ الانتظاراتِ أيضًا، والتي تصيب الرأس مثل «السّالمة» (داء الحرارة المُفرطة)، و هذه لا دواءَ لها. لأجل هذا فإنّني أبحث عن طبيب يصف لي نظامًا حياتيًّا صحيًّا خاليًا من التوقعات، لا يرتفع فيه ضغطُ انتظاراتي، و لا أعاني من رُهاب المستقبل، ولا أنتظرُ فيه من أحدٍ أن يتقدّم خُطوةً نحوي فقط لأنّ هذا ما توقّعته. أريدُ دواءً أعالجُ به قلقَ السّعي نحو الأشياء، الذي يجعلني أتصبب عرقًا، و تتسارع نبضاتُ قلبي و أفقد توازن مِشيتي فقط؛ لأني أنتظر من الشيء الذي أسعى نحوه أنْ يسعى نحوي.
أريدُ دواءً تقلُّ بعده نسبةُ اكتراثي بالعالم، أريدُ لقاحًا ضدّ ازدواجية المعايير، أغرسه في ذراعي فيحميني (بشكلٍ ما) من أن أصيرَ مثل كلّ مَن أُشفقُ عليهم؛ لأنك في هذا الزمن «الأغبر»، حيث اختلطت المفاهيم و تداخلت الأوراق، ستكون محظوظًا إن نجوتَ من الحياة، و ذهبتَ نحو موتك رافعًا رأسك، و في حصيلتك مبدأ واحدٌ يُشبهك بقيتَ وفيًّا له.