هناك جلَسْتَ..

هناك جَلَسْتَ..
في زاويةِ المنفى
تُتَابِعُ النّادلةَ بعينيك العسليّتين
وتَسْبَحُ بحمقٍ في خيالاتِ أفكارك

جَلَسْتَ..
في المطعم الإيطاليّ
طَلَبْتَ منها طلبًا كرويًّا
ثم شَعَرْتَ بضجرٍ فضوليٍّ

ثمّ جاءَتْ
تلك النّادلة المُرتبِكة
مثقلةً بغبائِكَ الحميميّ
بسرعةٍ تأتي
أخبرتَها عن حبّك لروما
ولـ”فرانشيسكو توتي”

ابتسمتْ هيَ،
ابتسمْتَ أنتَ،
ثمّ غادَرَتَ إلى الطّابق الثّاني
حيث اللّاشيء
حيث قطعُكَ المكسورةُ تصرخُ
وحيث تغوصُ في جبنٍ قديم الصّنع
لبيتزا نابوليّة مهترئةِ المعالم

فَقَدْتَ بَحَّتَكَ المعهودة
وصِرْتَ مائلًا لليمين
جَلَسْتَ مشبوهًا في الزّاوية
كقاتلٍ متسلسلٍ
ينحرُ ضحاياه عبر حدّة اضطرابه
ثم يندمُ ويقضمُ قطعةَ بيتزا قديمة
وبعدها..
يمرضُ بالقولون

رَحَلَتْ النّادلة
رَحَلَتْ بــ”بقشيشك” المتواضع
وبحزنك لخسارةِ روما المباراة
وعُدْتَ لتحليلِ مشاهدِ اليوم
ندمٌ.. سعادةٌ.. ندمٌ.. ندمٌ..

تجاهلَتْكَ النّادلة في الطّريق
أم أنّها لم تتعرّف عليك
صِرْتَ مجهولَ الصّفات
كغرابٍ أبيضٍ
وكبرج بيزا، مستقيمٌ بدون تمايلٍ
وكمثلّثٍ بأربع زوايا

“توتي” غادَرَ روما
وأنت غادَرْتَ المطعمَ مثله
بعد زمنٍ مديدٍ
لأنّها ربّما لم تتعرّف عليك
وجهك تلاشى قبل انقضاءِ المساء
وانهمكتَ في قتل الزّمانِ والمكان

سَقَطْتَ من تسلّقك
كَسَرْتَ كلّ شيءٍ فيك
لكنّك عالجتَ نفسك من القولون

أينَ هيَ النّادلةُ الآن؟
في منزلِها،
في بيتها تَعُدُّ البقشيش،
أم سَقَطَتْ مثلكَ وكَسَرَتْ كلّ شيءٍ؟

عطرُها نَحَرَ أنفكَ المعوجّ
ثم وَلَجْتَ لعالمِ النّحيب
لأنّك رَحَلْتَ
لأنّها رَحَلَتْ
لأنّ “فرانشيسكو” رحل
لم تَعْثُرْ عليها قطّ!

بقيتَ داخل المثلّث الرّباعيّ
داخل عتمةِ روما الخياليّة
وداخلَ تفاصيلٍ مختصرةٍ
مختصرة جدًّا!

خالد موقدمين