كأنّ له صفةً من صفاتِ الهواء

 

أفكّر نصيًا بالموت، يُفكّر الموتُ بنا أيضًا؛ كأنّ له صفةً من صفاتِ الهواء: الإحاطة، وصفة من صفاتِ حرفِ الشين: التّفشّي. إنّه يُحيط بنا من كلّ الجهات، وطوال الوقت، ونكادُ ننساه لفرطِ عاديّته، حين\ حيثُ يكون حاضرًا وغير حاضِر، موجودًا وغير مرئيّ، مؤثرًا بلا أثرٍ مباشر، اسمًا بِلا صدى، صوتًا ساكتًا. ولكنْ حين يلمسُ أثره أحدًا منّا عبر دوائِره الضّيقة، يحِلّ فجأة. وأستعير الحُلول من ابن عربي. يتجسّد فورًا، وترى أثره بقعَ سوادٍ مُشحّر في الصّدور والوجوه. بقع تكفي لتجعل الموت مرئيًا تمامًا. تخيّل أن يتحول الهواء إلى هواءٍ ملوّن، تخيل كيف سيحيط بك اللّون. هذه هي إحاطة الموت. كأنّ المسافة التي نصطنعها بيننا وبينه تنعدم، والحقيقة أنّ الحياة ما هي إلّا تناسٍ بين مسافتين، أفكّر بالموتِ كما يفكّر كاتبٌ جيّد بمواطِن الدّهشة في نصّه، والموتُ مدهِش دائمًا رغم تَكراره، وهو حقيقة ثابتة لا تنفى أبدًا.

يقول المغاربة فيما يُشبه المواساة حين يموتُ عزيز: “الله يبدّل محبته صَبِر”. أقف\ وقفت كثيرًا أمام هذه الجملة، مفكرًا في إمكانيّة تحقق هذا الدّعاء\ هذه الأمنية.

أنا أفكّر فقط دون أجوبة. أستعيدُ رولان بارت: “الموتُ هو الحقيقة الوحيدة وكل ما سواه خِطاب”، أستعيدُ مقارنات الفقدان بفعل الموت أو عبر الحياة، وعَبرَ تفتح على العبور، والعبورُ فعلُ الحياة الأوّل: “عابرون في كلامٍ عابر”. كلّ صباح تقريبًا أمُر أمام مقهى تيرمينيوس (La Terminus)، بالعربيّة يعني (المحطّة الأخيرة)، فلا أجلسُ فيه أبدًا، كأنّني أريدُ المواصلة رغم أنّني “تعبتُ من السّفر”، أو كأنّني قلتُ: “أنزلني هُنا” منذُ زمنٍ بعيد.. جدًا.

 

مهنّد ذويب. الرّباط