… قبل أن تلمَّ القصائد حقائبها!

خاص بـــ«مجلّة أفانين»، أحمد دبيش (*)

لمْ أعدْ أتذكرُ كيف كتبتُ آخر أبيات لي أو آخر قصيدة. أقصدُ شعوري حينها، حتى إنّني عندما أعيدُ قراءتَها أستغرب كيف استطعتُ كتابة تلك الأبيات، وأيُّ مزاجٍ حملني إليها، وأي شعورٍ كنتُ أحملُ في ضلوعي، وأي بركان كانَ ينفجرُ حمماً في أحشائي. مَن استطاعَ منكم أن يصف لحظة كتابته فليصفها، أعتقد أننا نحتاج إلى كاميرات مراقبة توثقُ لحظاتِ التجلي الخيالي، والسفر الروحي إلى العوالم البعيدة، إذ ينبع الفكر صافياً وشفافاً لكي نعود إليها على الأقل عندما نشعر بالحاجة الملحّة إلى الكتابة نوعاً من الترويح. لا أعتقد أننا لحظة الكتابة نكون موجودين روحياً، إذ إننا إذا شرعنا في الكتابة فإننا لم نعد نشعر بأننا نشغلُ حيزاً من الفراغ في هذا الوجود الضيّق، وإنما أصبحنا ننتقلُ بين النجوم ونحلّقُ مع السحاب ونقفزُ فوق الكواكب، وفي بعض الأحيان عندما ينتابني “شعورُ ” الكتابة وأنا أمشي في الشارع، فغالباً لا أنتبهُ إلى من هم أمامي أو خلفي أو عن شمالي أو يميني، وأكاد أصطدمُ بالأشياء من حولي لانشغال عقلي، والعقل كما هو معروف موئل التحكم بالأعضاء والإدراك، وزد عليها إذا كنتُ منكبّاً على كتابة القصيدة مع الاستماع إلى موسيقى تغذي وتشعل فتيلَ و أحاسيسَ وأفكارَ  تلك القصيدة، فبالكاد عندها أدرك أو أحسّ أو ربما أحياناً أرى ما يجري من حول ، ترى ما هو السبب؟
هل الكتابة انغماس في العالم الروحاني المتجرّد من جميع المحسوسات في عالمنا الدنيوي؟ هل هي “معراجٌ” مصغّر إلى مكامن الروح و مواطن الفكر المختبئة في أعالي السحاب؟
أسئلةٌ تشغلني كلّما نفرَ مني القلم، وسلبني الجوُّ العام شعلةَ الحرف، لأنكفئ على نفسي باحثاً عن مصدرٍ أو مؤجّجٍ للنار المختبئة وسط ضلوعي، لأسألَ نفسي أيضاً هل أنا من يتحكم بمجيء لحظات الكتابة؟ أم هي من تقرر ذلك من عدمه؟ وهل هي من تكسر الأبواب وتتسلق الأسوار بدون استئذان؟ وماذا إن غاب ذاك الشعر إلى الأبد؟ أو العكس لو كان حاضراً دائماً بحيث يشكّل قلقاً دائماً حيالَ الأشياء التي نراها، لنفسرَ ونكتبَ عن كلّ ما نراهُ أمامنا أو نشعرَ به!، هل الكتابة (الشعرية) وحيٌ أم موهبة وصنعة أدبية, مع تحفّظي على كلمتَي موهبة وصنعة، و لماذا إذن تتحجرُ أصابعُنا ويتجمدُ الدم فجأةً في عروقِ الكلمات؟ وينطفئ نبضُ الحروف، وتلمُّ القصائدُ حقائبَها وتطفئ الشموعَ في دواخلنا لتغادِرنا و تعود مرةً أخرى بدون تذكرةِ عبور !

ما أغربَ تقلباتِ ومزاج هذا النوع من الكتابة! يلفتُ نظرَها عطرُ فتاةٍ في يوم ربيعي وممطر ، ويأسرُها ترنّمُ طائر فوق غصن عندَ لحظات الغروب، تنسابُ انسيابَ الأمواج في المحيط، يُبكيها انكسارُ طفل فقد لعبتَه، تفرحها ابتسامةُ شخصٍ عابر في قطار متوجه إلى اتّجاه غير معلوم، إنها متقلّبة المزاج فعلاً، ولم ولن تضبط أبداً.

(*) يَمَني مقيم بالمغرب

Afanine

مجلة أفانين: هي منصّة إلكترونيّة حرّة، وشاملة، ومتنوّعة، تديرها جمعيّة كتّاب الزيتون والمعهد اللغوي الأمريكي بالدار البيضاء، وتضع على عاتِقها أن تفتحَ نافذةً، للكتّاب والفنّانين في المغرب، نحو آفاق الإبداع. تنشر المجلة أعمالًا أدبية وفنية للكتاب والفنانين الشّباب بالمغرب، بالإضافة إلى مقابلات، وبروفيلات، وفرص، وصور فوتغرافية، وغير ذلك. تروم المجلة تسليط الضّوء على إبداعات الكتاب والفنانين الصّاعدين بالمغرب.

جميع مقالات الكاتب

حول المجلة

“مجلة أفانين” هي منصّة إلكترونيّة حرّة، وشاملة، ومتنوّعة، تديرها جمعيّة كتّاب الزيتون والمعهد اللغوي الأمريكي بالدار البيضاء، وتضع على عاتِقها أن تفتحَ نافذةً، للكتّاب والفنّانين في المغرب، نحو آفاق الإبداع. تنشر المجلة أعمالًا أدبية وفنية للكتاب والفنانين الشّباب بالمغرب، بالإضافة إلى مقابلات، وبروفيلات، وفرص، وصور فوتغرافية، وغير ذلك. تروم المجلة تسليط الضّوء على إبداعات الكتاب والفنانين الصّاعدين بالمغرب.

تجدون هنا الأعداد السابقة

Women In Our Lives Anthology
Essays on Identity and Belonging
Olive Writers Summer Camp 2019 Anthology
Write From Home Anthology
Olive Writers Magazine another recent issues

ملاحظة:

جميع الآراء الواردة في الأعمال المنشروة تعبّر عن رأي أصحابها، ولا تعبّر بالضّرورة عن رأي مجلّة أفانين والمؤسسات الشّريكة.

“مجلة أفانين” هي منصّة إلكترونيّة حرّة، وشاملة، ومتنوّعة، تنبثق عن جمعيّة كتّاب الزيتون، وتضع على عاتِقها أن تفتحَ نافذةً، للكتّاب والفنّانين في المغرب، نحو آفاق الإبداع. تنشر المجلة أعمالًا أدبية وفنية للكتاب والفنانين الشّباب بالمغرب، بالإضافة إلى مقابلات، وبروفيلات، وفرص، وصور فوتغرافية. تروم المجلة تسليط الضوء على إبداعات الكتاب والفنانين الصّاعدين بالمغرب.

Women In Our Lives Anthology
Essays on Identity and Belonging
Olive Writers Summer Camp 2019 Anthology.
Write From Home Anthology.
Olive Writers Magazine another recent issues.