كُن أحيانًا.. «رماديًا»

خاص بـــ«مجلّة أفانين»، راما ياسين

في ظل هذه الأيام التي نعيشها، نأوي إلى الفراش والتساؤلات تتأجج من كلّ حدبٍ وصَوْب، تساؤلاتٌ عن الواقع أمام المُراد، الحقيقة أمام المبتغى، القوّة أمام العجز ، والشدة أمام الهوان. نرتمي في أحضان آمالنا محتمين من التضارب المستمر  بين أطراف الحياة المتنائية، وضرورة تبني زوايا رؤية متعدّدة؛ حتى لا تنحصر البصيرة في واحة التناقض الضيقة، ولكي تُرى الحياة بزيّها التنكري ذي اللونين الفريدين المتنابذين: أبيض وأسود. إذ يبدو المضيُّ في الحياة بهذا الاعتقاد أيسر لوضوحه وسلاسته، لما رزقنا الله من استيعابٍ لـ«الثنائيات العظمى» دون استصعاب أو مشقّة؛ فنعرف الحلال و الحرام، الحسنات و السيئات، الخير والشر ، الصحيح والخطأ.

لكنّ الحياة أعمق من أن تختزل في هذا التقابل الصِرف؛ فبين الأبيض والأسود تسود منطقةٌ رمادية ممتدّةُ  الأطراف، واسعة المساحة، تُستوعب الآراء فيها، وتُستساغ وجهات النظر رغم تباينها، فيضعُ الشخصُ الرماديُّ نفسَه مكانَ نظيره، محاولًا فهم حاله وتبريرها، وهذا لا يؤدّي باللزوم إلى تقبّل ما عاينه بشكل وافٍ وتام، ولكن هي فرصةٌ للحكم قبل الإقرار بالرفض القاطع. وإذا ما تأمّلنا في دنيانا، فسَنجدنا غالبًا بحاجة إلى العدسات الرماديّة، من باب التعايش الإنسانيّ و تفادي العيش في قوقعة الرفض والاتهام وسوء الظنّ الذي يكدّر العيش وينفر القلوب.