أَلْفانِ وأرقام أخرى

خاص بـــ«مجلّة أفانين»، محمد المؤدن

 ألفانِ وأرقام تتكاثر، تبعدنا عن البدء الذي تخفُتُ كلماته كلَّما تركناه. لم نعد نسمع الكثير من الأصوات المجهولة، أو نرى الغرابة التي لم يعد لها مكانٌ بيننا. لا خبر الموت أمسى مفجعًا ولا الفرحة ظلّت مشعة، ألفان وأرقام تجرّنا من نحو العاديّ كلّ يوم، ونحن ما زلنا نحتفل بسنة جديدة؛ كأنّ معجزة ستحصل أو وطنًا سيُحرّر أو ترياقًا قادرًا على شفاء السرطان وإزالة الاكتئاب سيظهر، سنة جديدة ورقم جديدة يجب أن تعتاد عليه أناملي؛ حتّى لا تخطئ في كتابته على السبورة أمام التلاميذ.

لعلّ الزمن يرتبك عندما يرانا نحتفل بهذي الأيام تمرُّ، أكاد أسمعه يصرخ قائلًا: ألا ترون ما يجري في الجوار؟

لا أخفيكم أنّ الأرقام ترعبني أحيانًا، أراها تمرُّ مرةً ببطء ومرةً بسرعة، ولكن لا تهمني الأرقام بقدر ما تهمني الذكريات، أفضِّل القولَ: أتتذكر العام الذي وقعت في حبها، أو العام الذي كسرت يدك أو العامَ الذي مات فيه فُلان، أو العام الذي سجل “حجي” مقصيّته على مصر…، ولا أفضِّل أن أذكر السنوات؛ فكيف سأقول إنّ سنة ألفين وأربعة وعشرين كانت جميلة؟ لعلّها كانت جميلة بالنسبة لي فقط، وكانت أسوء سنة بالنسبة لشخص آخر، وهل من المعقول أن نرجوَ سنةً سعيدة، ونحن نعلم أنّ الحياة متقلبة لا بدَّ أن نقع في ضيافة عسرها ويسرها معًا؟

إنني أؤمن باللحظة، بالمشاعر، بما أحسسته، بأمي عندما تقول لي إنّ يوم ميلادي كان باردًا ولم يتوقف المطر يومها، هذه جملة تعني الكثير، أمّا سنة ألفين وواحد، فلا تمثّل لي شيئًا، أدعها للوثائق والرّسميات، ولهذا لا أتمنى لكم سنة سعيدة، بل سأرجو لكم (ولي) لحظات وذكريات جميلة.