لَم يقتُلوا جِرَاءَ فَمي بَعدْ!

(1)

 

أبحث عن منحة تفرّغٍ إنسانيّ للبكاء،

أو تمويلٍ غير مشروط لتصدير زجاجات الأصوات التي أختنق بها.

 

 

على مسافةٍ واحدة من الأشياء كلّها أقفُ الآن،

مثلَ شتيمة نابية قالها طفلٌ ثُمّ خجِل من نفسِه

أو مِثل شجارٍ سخيف على شيء لم يحدث أصلًا.

 

 

أستمرّ في تقبّل اعتباطيّة الأشياء،

ولا دلاليّة الكلام المتنزل على ساقية رأسي

وأستسلم لفكرة الهزيمة كأنّها، وإنّها الأخيرة المتبقية،

وأقول: طُز، بْ الزّعطة، بلاش، بالنّاقص، (so what)

 

 

على مسافة واحدة هي صفر أقفُ الآن،

أتقبّل فكرة “الحلول” أكثرَ من “المجاورة”

وأفكّر من داخل الأشياء فيها.

 

 

(2)

 

لم يعُد هذا العالمُ يلبّي رغبة البشريّ في البساطة،

 

 

في السّوق

أبحثُ عن T-shirt سوداء تمامًا،

أبحثُ عن حبٍ هادئ مثلِ الرّباط صبيحة الأحد،

أبحثُ عن وجوهٍ غير مزخرفة بالتّسابيح،

وعن نوايا بلا لونٍ ولا رائحة،

وعن عملٍ لا أتكلّم فيه إطلاقًا،

عن كاميرا لا تصدر صوتًا مزعجًا للعصافير،

عن نصٍ شعريّ لا يطلبُ منّي عنوانًا،

عن مقهى لا يبثّ مباريات كرة القدم وقت الغداء،

عن سائق تكسي لا يعرفُ كلّ شيء في هذا العالم،

عن لكنة متّزنة تنتمي إلى مكانٍ ما،

أيِّ مكانْ،

عن شجاعة قول لا، دفعة واحدة،

عن التئام حقيقيّ للصدعِ المتفتّق بيننا،

 

 

أبحث في الدّكاكين، وفي سوق الأدواتِ المستعملة، وحتّى الآن لم أجد شيئًا.

 

 

(3)

 

سَيُغْفَرُ للمتردّدينَ بما اقترَفَته بهم اللّيالي،

وسيُنتزعونَ من هذا الماءِ تُجفّفُهم خيالاتُ اليابِسة.

 

 

والله.. لولا الملائكة عليه،

ولولا “أن رُبِطَ على قلبه”

لكانَ تفتّقَ حجارةً ملساءَ،

واستراحَ إلى جريانِ عرباتِ النّهرِ فوق كلامِه.

 

 

يتفقّدُ الغرباء أسماءَهم التي غيّرتها الطّواحين،

وصورهم التي غابَت في الضّباب والرّطوبة،

ووداعَتَهم قُدّام مدنٍ جديدة تمامًا،

وألوانهم التي تغيّرها شمسُ “حُزيران”

ثمّ يَتَنزّلون مرتابينَ إلى دوائرَ مغلقةٍ بالكامل،

 

ويخافُون، لو مرّة وعلى غير العادة إطلاقًا، أطلّ عليهم الفَرَحُ برأسِه ثانيتين فقط..

ويطمئنونَ.. إنْ غاب.

 

 

 

(4)

 

هذه الأيام.. أنامُ أنا وأخطائي معًا على الشّرفةِ،

 

 

أنظرُ إليها، وهي تغفو بجانِبي، مُعوجّةً.. مقوّسةً.. مُشوّهةً لا تُشبهُ الأخطاءَ حتّى!

وكُلّما أمسكتُ إزميلًا لأصلحَ في عينِ الخطئِ خَطَأً تمنّعت يَدِي.. وفرّت المِطرقة منّي هاربةٍ إلى زاوية الجدار.

 

 

لَم يَقتلوا جِراءَ فمي بَعد،

وعندما نجوتُ من حادثة افتِتانٍ بالصّوابِ كادَت أنْ تودي بي صَرختْ

وأتيتُ إلى الشّرفة “أُعنِّقُ” أخطائيَ الأطفال،

وأخذتُ صورتينَ لهما وهُما يلعبان فوق الشّجرة التي تُطِلُّ عليَّ.

 

 

لم يأكُل الطّريقُ مِن لِساني بَل مِن يديَّ وكَتِفَيْ!

له استقامَتُه الكاذِبة،

ولِيَ أشيائِي.. ولو لَم أمتَلِكها.

 

 

مهنّد ذويب