في “الطرامواي”!

(1)

مِنْ بعيدٍ يَقترب، تراه الأعيُنُ وهو يُغيّر مسارَهُ باتّجاه الرّصيف الذي تتلهف الأعين للوصول إليه، الأشياءُ التي تُحمل في الأيدي تَتَضارَبْ، والأجسادُ تحتكُّ فتَتَلامَسْ، الآخَر يتخطّى الآخَر..

نحو أين؟ نحو اختيارِ البابِ الذي سيقفُ فيه “الطرام”

الأعيُنُ تُحَمْلِقُ وتتكهنُ مكان َوقوفِه، الكل يدفعُ الكلَّ عندَ وصولِهِ، يخيبُ أملُ مَنْ اختارَ المكان الخاطئ، يقول: ” أوووف”، ويعودُ أدراجَهُ لولوجِ البابِ الذي أخطَأَهُ.

(2)

يأخذُ التّذكرة ويلقي بها في فَمِ الآلة المحققة، تصدر صوتًا مزعجًا فيشتعِلُ المصباحُ الأحمَرْ، يخفِقُ قلبُهُ ويلتقفُ الورقةَ بيده ليتحقق من أنّها ليستْ مستعملة، يدرك أنّه قد وضعها في الاتجاهِ غيرِ الصّحيح، يعيد تحقيقها فيشتعل الضوء الأخضر، ويشعر بنشوةٍ.. كأنّه يقول لهم: إنّكم أخطأتُم الفهم. مِن على بعدِ مترٍ يلقي بما يحمله في يده من أشياء صوب أحد الأماكنِ الفارغةِ ويُحَمْلِقُ إلى الكراسي التي يُتسابق إليها ، يبتَسِم … يمشي بخطى متباطِئة وكأنّه منتصر قد خرجَ للتوِّ من معركة، يصل إلى الكرسيّ المقصود.. يزيح عنه ما أُلقي عليه ويرمي بجسده إليه، حَظّه البائِسُ قادَهُ إلى أنْ يَختار المكانَ رباعيّ الكراسي.

(3)

يجلس أمامه عشيقانِ يتلافى النظر إلى وجهيهما، لكن عيناه لا تفلِحُ في ذلك، يُحدِّثُ نفسَه فيقول: يا لحماقتي، لو أنّني تركت الهاتف يشحن ولو لدرجة أخرى، لكنت أدعي أنني أسبح فيه وقت تبادل هاذينِ القُبَلَ والعِناق. يدير عَينيهِ نحو النافذة، ويدّعي الصمت وهو بداخله بركان من الكلمات، تمنّى لو أنّه ألقى بها أمامهما، يدّعي التأمّل وهو الذي لم يسبق له أن أحبَّ إمعان النظر ولزوم السكوتِ يومًا، عيناه تزيغانِ عن النافذة، وتتطلعا بنصف نظرة إلى الحبيبين الهائِمين، يرى ضحكة أعيُنِهِما والواحد ممسكٌ بيدِ الآخَر، وهما كذلك حتّى تنزل برأسِهَا على كتفه فتسنده عليه، ينسدل شعرها الخفيف فيغطّي صدره، يُشيح بعينه عنهما، وهو يقول: الناس تعيش قصص الحب وأنا لا حُبَّ يزورُني، ولا فتاة تنسدِلُ إلى جانِبي.

كُلّ الفتيات اللواتي التقيتهنَّ يُنهينَ قصة حبٍ لم تبدأ

يقولون لي أخي بعدما بدأت نسج حلم تقول لي فيه حبيبي، فتفتر حماستي وينتَصِرُ يقيني أنْ لا فتاة ستحبّني، أصل وجهتي وأترك مكاني للحبيبين حتّى يتسنى لهما إراحة رجليهما.. يخرج من الطرام ونفسه تقول تبًا للحب وتبًا لمن يُحب أو يُحَب!

وسيم التّاقي، مشروع بلقصيري.