البحثُ عن الــ(أنا).. الرّحلةُ الأصعب

رحلةُ البحثِ عن الـــ”مَن أنا”، رحلةٌ جبليّةٌ صعبةٌ كما تقولُ فدوى طوقان؛ رحلةٌ يمكنُ أن تأخذَ منكَ عمرًا بأكمَلِهِ.

التجربةُ وليدةُ الخيارات، والخياراتُ نِتاج تجاربَ سابقةٍ في الطّفولة أو في فترة المراهقة والشّباب، ما الإنسانُ إلّا سلسلةٌ من التجارُبِ والأحداث التي تصنَعُهُ، والتي فيها تَكمُنُ إنسانيّته؛ ما قيمةُ إنسانيّتنا إنْ لم تُمتحن؟ مَنْ نحنُ دونَ ذاكرةٍ وتجارب وخيارات؟، نميتُ الذاكرةَ لكنّ الذاكرةَ حيّة لا تموت، نرقصُ كالدّراويش فوق الماء، نتضّرع، نرقص.. ونلعنُ الذّاكرة، لكنّ الذاكرة حيّة لا تموت.

 هل الذاكرةُ نحنُ أم نحنُ الذّاكرة؟ مَن نحنُ دونَ ذاكرة أصلًا؟، وما الذاكرة دوننا؟، قصّتنا مع الذاكرة كقصّة الأندلسِ مع تاريخِها المُنفلتِ منها، نفس الشّيء يمكن أنْ نسأل: مَن تكونُ إسبانيا اليوم دونَ أندلسٍ؟ وماذا كانتْ سَتكونُ أندلسُ الأمسِ دونَ محاكمِ تفتيش وتهجير؟، تاريخُ الأندلسِ الهارب منها هو صانِعُ إسبانيا اليوم، كماضينا الذي يُشبهنا في الكثير.. هوَ الذي يصنعُنا اليوم.

الاعتبارُ من الماضي، و صُنع تاريخٍ أو حاضرٍ جديدٍ مرتبطٍ بمدى فهمنا للتجارب السابقة، وإشراعُ النوافذ على ما يجبُ أنْ يُرى، هوَ المؤسِّسُ الحقُّ لعمليّة الصلحِ والاعتبار؛ فالتّمعُنُ في الماضي بحثٌ عن أجوبةٍ لما يحدثُ اليوم، كُلّ شيء مرتبط: حاضرنا، ماضينا، نحنُ، الأندلس، تونس الحديثة، ومحاكمُ التفتيش والتهجير، الكلُّ نِتاج و سَبَبٌ و مُساهم بدرجةٍ مباشرةٍ أو غيرِ مباشرة  تسعى إسبانيا اليوم إلى التّصالحِ مع تاريخِها الموجِعِ في الأندلس، الأندلسُ المندثرةُ الباقِية التي لا تشبِهُ نفسها، بعدَ خمسةِ قرونٍ على سقوطِ غرناطة، والتي بها سقطتْ الأندلسُ كلُّها، لا زالتْ إسبانيا تبحثُ في الماضي، مجدِّدة مُؤسِّسةً لإسبانيا اليوم، إسبانيا المُتّعِظة من الماضي، إسبانيا المتسامِحة، إسبانيا المُتعدّدة دينيًا وثقافيًا، إسبانيا التي تبحثُ في الأندلُسِ عن هويّةٍ تُشبِهُها أولا تُشبِهُها. والأندلسُ التي لا تعرفُ نفسَها. الأندلسُ الهويّة الدينيّة والثقافيّة التائِهة وسطَ ما لا يُشبهُها، ونحنُ التائهونَ وسطَ ما يشبِهُنا وما لا يُشبِهنا، غريب جدًا كيفَ أنّ كلّ شيءٍ مرتبطٌ ببعضه البعض!.

 ريم العيادي، طالبة تونسيّة مقيمة بالمغرب.