ذاكرةُ غيث

خلفَ قُضبانِ قلبي
هلالٌ يطلُّ
خجلًا كعروسِ.

 

شاهِدًا على قُبلة تتمَطَّقُ كلّما أدركت لذّة قِبلتكَ، وتفوح أنسام حقولِ القِرفة في خلايا جسدكَ، وأصرخُ: لماذا لم تخلقني ياربُّ زهرة؟، أو حتّى تُرابًا تنبتُ فيه ملامحكَ. يهطِلُ مطرٌ على حديقة ذاكرتي، فأغتسِلُ من ذُنوبي، وأنفُخ على أنينِ الصّور، وأمسحُ طاولات جلستُ عليها طويلًا ولم أنهض منذئذٍ. أمشي في الفراغ، دون وزنٍ، ووحدي أُدرك بكهرباء لاسلكيَّةٍ ما نشعرُ به. ما جعلناه سرابًا كالأحلامِ، حُرّا كالحمامِ، مُعاشًا كالآلامِ.
أسيرُ وشواهدُ الوعود تقبُرني، أضعُ فوقها قُطنًا، أرُشّهُ بماء زهرٍ، ربما قد يصير غيمًا بعد يوم غد، فيحلّقَ بعيدًا في سماءِ الفردوسِ. وقد يهطل مطرٌ وتتحقق هذه الوعود، وقد تهبط ثلوج فأبني بيتًا على عُشّ نورسِ، قد يعود كل شيء إلى نِصابه يومًا. أعرف؛ لكن ما فائدةُ أن تُمسكَ بعصفور كلّما غفلته يفرّ منك، زلِقٌ، مُرتاعٌ ومتردّد تجاهك. ما فائدة أن تُحبّ بفناء بينما لاشيء منذور للبقاء؟. ما فائدة أن تركض وكلّ الطرق ترفضكَ، والمسافات تنطوي على نفسها وتجهر بمغادرتكَ. كما فعلتَ بقلبي حين صَفعتَهُ، فالْتَحَف أملًا مُرقّعا، وارتكن في الزاوية كمتشرّد، وقد تسمّرت عيناه على خُطى العابرين، خائفًا من أشياءٍ لا يفهمها، زرعتَها فيه فانتفخ بالأسفلتِ والدّخان والغبار. قلبي الذي رَجمتَه طيرًا أبابيلَ، فسالَ تهليلات، ورتّل آياتٍ، ونام إلى جنبِ آهاتٍ، ونزف كل الحُبّ المتبقّي فيه، دمعةً دمعة.
هذا القلبُ كان غِمدًا مُستسلمًا لنَصلك، وأُرجوحة طنّانة لطفولتك، وغابة تُظلّلُ حُرقتك. هذا القلب منذُ اليوم لا يتذكّرك.

 

يهطِلُ مطرٌ على حديقة ذاكرتي
فتفوح بآخرِ ذكراك،
وبشِعرٍ أرفسه بعيدًا عنّي كي -لا- أنساك .
يُزَغرِد الهلال
ويُغرّد المطر
عزفَه الأخير

                                             بارتباك.

 

إيمان أيت بابا