أنا المتروكُ لمصيدةِ العصافير،
وللوقتِ المتوقّفِ قُربَ الأطلس.
من سقفِ ما للبشريّ من رغباتٍ أتدلى!
تأخذني الريح وتتركني.
أعتزلُ ما استطعت، وأعُضّ على لساني إنْ ألحّ عليّ الكلام. أنا الظانُّ بانتهاء التّجربة، المتيقّن من خُلاصاتي وتصوّراتي عن الأشياء والأشخاص. التّارك جسده للتّيار والحَصى والعُشب. المُتشبّع بفكرة الدائرة. كم تغيّرت! شابَت وجوهٌ وصدور، ونُسيت أصواتٌ وتبدّلت ملامح، ثمّ نبتت فوق الجرح جراحٌ أقسى وأشد. وإذا أطلّ اللّيل برأسه فزعت الخفافيش إلى وجهي، وتخييلي وتخيُّلي، وتكوّمت فوق جبهتي لحى وأصوات وآياتٌ في غير موضعها. ولا شيء إلّا يدُ أمي البيضاء، تأتي مما وراء الأطلسيّ إلى اليسار قليلًا، تربّت على المُكسّر والمُحطّم. ماذا يفعلُ المسافر حين يملّ من دَوره؟ يأخذ بكلّ أسباب الاستقرار فلا يجدُ إلا التّرحال وزوبعة الرّمل، فيخِرّ. لقد ساءَ الطريق كثيرًا، ولفظ الوطن أبناءه إلى القعر السّحيق والسّاحق. لعلّ العيب في الفكرة! لعلّه فيّ، أنا المريض بالوهم، المتأمّل أكثر من اللّازم. لعله فينا.. فيه.. أيعرف أحدٌ ماذا بعد الصّراخ؟ البحّة.. بحّة الصّوت والقلب. ثمّ الصّمت. كأنّه استسلامٌ أو قناعة بالخذلان. وهذا الكلام؟ أجيب: إنّه ليس صوتًا؛ بل بكاءٌ محمومٌ تذرفه الأصابع! أليس من حقّ الأصابع البكاء؟!. اللّيل مرتعٌ لكلّ الأفكار الخبيثة عن العالم، مُحرضٌ طبيعيّ على الخوف أو اللاخوف، الإيمان أو “اللاإيمان”، ثابتٌ وحيد في ليلي هو الحبّ الحقيقيّ، ضوءٌ وحيد وقادر، أتذكره ولست أنساه. وحيد؛ لأنّني لم أجربه من قبل، ثابتٌ؛ لأنّه لم يرتبط بمتحرك!، قادرٌ لأنّه من صفات الله. اللّيلُ مخيف، وحيدًا أسبح فيه. الغرفة بلا أضواء، والنافذة تطلّ على هوّة سحيقة غير مُضاءة، الهواء مُختَنق بنفسه، والحرارة وصلت أرذل العُمر. ومع ذلك كلّه، كلما اقترب الصّباح أخافُ أكثر. قلت قديمًا: أنا ابن العتمة جدًا. ابنُ محاراتٍ فارغة وبعيدة. يأسي/ اكتفائي يستمرّ ويكبُر. أسمعُ تفاصيلَ الأصوات، وما لا يُقال. أعبّئ جوفي بحكاياتٍ ثم أبصُقها. لم يَعُد لديّ ما أضيفه لهذا العالم. تَصنّمت. توقّفت “عصافيري عن الإنشاد”!.
تتكرّر. يتكرّر. نتكرّر.. كلّ يوم. تراتُبيّة حفّار قبور.
أجرّ ساقيّ إلى حافّة البحر،
أنظر.. لا ضفّة أخرى هُناك.. والأفق ممتدّ
أفزعُ منه. أطمئنُّ للنّهر أكثر!
الحياة نهر؛ لأنّني أرى ضفّتها الأخرى… سوداء قاحِلة.
أزفت القافِلة!
مهنّد ذويب
Afanine
مجلة أفانين: هي منصّة إلكترونيّة حرّة، وشاملة، ومتنوّعة، تديرها جمعيّة كتّاب الزيتون والمعهد اللغوي الأمريكي بالدار البيضاء، وتضع على عاتِقها أن تفتحَ نافذةً، للكتّاب والفنّانين في المغرب، نحو آفاق الإبداع. تنشر المجلة أعمالًا أدبية وفنية للكتاب والفنانين الشّباب بالمغرب، بالإضافة إلى مقابلات، وبروفيلات، وفرص، وصور فوتغرافية، وغير ذلك. تروم المجلة تسليط الضّوء على إبداعات الكتاب والفنانين الصّاعدين بالمغرب.
انتقاء الكلمات مثالي، يجعلك تحس كأنك تقرأ و ترى و تسمع في الآن ذاته، كأنك تتجول في أفكار الكاتب، أحببته بشدة.