سائِقْ الحافِلة

أقودُ، أقودُ

على دربٍ مجهول

هكذا أصبَحَ 

بعدما عَبَرْتُه لعقود،

أيضًا أنا

كلّ شيء يجهلني هنا،

أحيكُ حكايا النّاس

من وقت العبور

إلى محطّة الوصول

دونَ أن أفارق موضِعي،

دونَ أن أتجلّى في رحلتي،

على هذا الشّارع

و بين زينة العربات هذه.

أنا المنبوذُ،

و أنا سائِقُ الحافلة

لا أعرف

مَن يريدُ النّزول 

و لا أين يتّجهون،

متعلّقٌ أنا 

بأشباحِ.. بالتّبادل لا تجود،

دون أنْ أُرى

يمدّ لي الرّاكبون النّقود

ثمّ يهربون

إلى علب الضّوء

إلى الخيال المشحون،

كأنّ الحافلة

محطة انسلاخٍ و استراحة. 

ما من أحدٍ

يريدُ استشعارها

أو تذكّرها،

في أيامهم

أنا لست موجودًا،

هذه الحافلة

هؤلاء ركّابها

هذه نوافذها

و ما يظهر عبرها الطّريق

منهم من يجهله جيّدًا

أكثر منّي،

فهذا حيّ سكنهم،

و على لوحة الإعلان هذي

تساءلوا يومًا عن المعبود،

و على هذه المحطّة

كان يصعد غريب محبوب،

حيث لم يُخشى

أن تصيب العيون العيون،

و في مبنى ما

في الجادة التي تلوحُ من بعيد،

يوجد مقعدٌ و مكتبُ العمل الملعون،

أجلس في مقدمة الحافلة

و في أسفل قدمَيّ

ترسب الصّم و الذّهب

و أحجار كريمات

يزعم أنّها تمنح الخلود،

أمّا بقيّة جسدي

فقد التهمه الرّكود،

مُتحجّر أنا

في مقدمة الحافلة

كجثة ثائر

تشيّعها الحشود،

في هذه الحياة

جميعنا موتى

فنقود بعضنا البعض

إلى حافة القبور،

انظر، انظر

عبر المرآة

كيف استهلكهم الشّرود،

غائبون،

أشكّ أنْ يحذروا

ولو اخترقت الجلود الجلود،

أن أكون نكرة في عالمهم

أرحم

من أن أضع بيني

و بين عالمي الحدود

وقتها، لن يكون لدهشتي

سبيل أن تعود،

و لأنّنا نعيش على بعضنا البعض

على حبنا،

على كرهنا،

على اعترافنا،

فلنعي ما حولنا يدور،

فلنتجاوز الآخر و الأنا

و لنتخطى كلّ العهود و البنود

التي أقمناها يومًا

حول من نكون،

فلنمنح النور حقّ أن يسود.

 

هدى بلعمرية.